"والسفينة التي جاء ذكرها في سورة الكهف مَثل من أمثلة تلك الخفايا .. فهي سفينة كانت لمساكين يعملون في البحر .. وكان في أعلى البحر ملك يتربص لكل سفينة فيأخذها غصبًا .. ولم يكن موسى يعلم من أمر هذا الملك شيئًا ولا أصحاب السفينة المساكين كانوا يدرون شيئًا عمّا ينتظرهم
.. الوحيد الذي كان يعلم كان رجلًا حكيمًا آتاه الله العلم. وعمدَ الرجل إلى السفينة فخرقها ليرى فيها الملك شيئًا تالفًا هالكًا لا يستحق أن يغصبه فيتركها لأهلها.
وفوجيء موسى بهذا العدوان الصارخ وهذا الإتلاف المتعمد الذي يقوم به الرجل لشئ لا يملكه، ورأى فيما يفعله جريمة غادرة بدون وجه حقّ .. ولم يستطع صبرًا ولا سكوتًا ورفع صوته بالاحتجاج والاعتراض.. وكان على خطأ في اعتراضه ولم يدرك أن ما يفعله الرجل هو الإنقاذ وليس التخريب.
وكانت هذه القصة درساً لموسى ليتعلم التواضع وليعرف أن هناك من يعلم أكثر منه..
وهي درس لنا لنعلم أن لا شيء يحدث عبثاً.. وأن وراء الأقدار التي تبدو غادرة في مظهرها "حكمة"..
وأن كل قطرة دم تسيل لا تُهدَر سُدَى، وإن ظهر لنا من سطح الحوادث أنها أُهدرت سُدَى..
إنها تبدو كالعبث واللامعقول بالنسبة لمن لا يعرف كيف يقرأ الحوادث، ولكن الذين أوتوا البصائر يعرفون أنه سيكون لها دور، لأن كل سطر في ملحمة الوجود له معنى.."