| هذه الصورة تم تصغيرها. إضغط هنا لعرض الصورة بالحجم الطبيعي. أبعاد الصورة الأصلية هي 650×400. |
من أجمل القصص التي كتبتها قصة **الظل
التائه**هي قصة فتاة بسيطة تعيش في قرية صغيرة تعيش ظروفا صعبة في المنزل
سببها المشاكل الكثيرة وتسلط أبيها...مجتهدة في دراستها و تحلم بانتهاء
معاناتها عندما تكمل دراستها ولكن تسلط وعناد الأب يقف حيال ذلك ....تبدأ
المعاناة من مرض أختها ثم الخلافات التي لاتنتهي أبدا بين والديها, انتهاء
إلى رغبة أبيها بتزويجها من رجل غني يكبره سنا قبل وصولها سن الثامنة عشر,
فتقرر الرحيل بعد استحالة كل الحلول متجهة إلى مصير مجهول ولحسن حظها تلقى
نفسها في رعاية عائلة غنية محافظة في المدينة فتكمل دراستها وتتخرج طبيبة
أسنان, تعود ألى القرية بعد زمن طويل لتجد نفسها في معركة العادات
والتقاليد والمرض النفسي الذي أصابها. وتواصل رحلتها مع الحياة....
أقدم لكم الفصل الأول من القصة في انتظار الفصول الأخرى .... منتظرة بلهف ردودكم و تشجيعاتكم وشكرا... **الفـــــــــــــصل الأول** أطلق القطار
صافرة طويلة...معلنا عن اقترابه من المحطة...كانت جالسة على كرسي تتأمل
نقائض ماحولها...رجل يجلس بجانبها يتصفح أوراق جريدته في هدوء ويدخن
سيجارته بين الحين و الآخر, غير مبال بما يحدث حوله...وصراخ طفل صغير متشبث
بثياب أمه التي تحاول جاهدة حمل حقائبها الكثيرة بعد أن رأت اقتراب
القطار,...وصبية يتسابقون فيما بينهم و عبق الفوضى يتصاعد هنا و هناك....
....حملت
حقيبتها بيد وبالأخرى التقطت جريدتها المرمية على الأرض,صعدت القطار و
بدأت تبحث عن مقعدها الذي كتب رقمه في التذكرة بحوزتها....
جلست
بمحاذاة النافذة وفتحت الجريدة لتتصفحها بعد أن تعذر عليها ذلك عندما كانت
جالسة في المحطة,بسبب الازدحام والفوضى... لم تمض إلا دقائق حتى اقترب
منها رجل طويل الشكل, أنيق المظهر, يحمل بيده حقيبة صغيرة وباليد الأخرى
تذكرة, ثم مال برأسه قليلا نحوها قائلا:
- عفوا سيدتي,..من المفترض أن يكون هذا المقعد الذي تجلسين فيه مقعدي أنا, حسب الرقم المكتوب على تذكرتي....
أسرعت
باخراج التذكرة من جيبها....إنه مكتوب رقم 23 يعني المقعد المقابل...شعرت
باحمرار وجنتيها...ألهذه الدرجة اختلط عليها الرقم23و الرقم24..نهضت مسرعة
تتأسف:
-....العفو منك سيدي...لم أنتبه...أنا آسفة...كان علي..أنا...حسنا,تفضل بالجلوس...
قاطعها قائلا بعد أن لاحظ عليها الارتباك:
-
...لاعليك...لم يحدث شيئ..مثل هذه الأخطاء تحدث كثيرا..في الحقيقة لا فرق
بين المقعدين مادام كلاهما بمحاذاة النافذة...لقد اعتدت الجلوس دائما أمام
النافذة فأنا أشعر بارتياح كبير...
بدأ القطار في التحرك مبتعدا عن المحطة التي اختفت تماما عن الأنظار بعد عدة دقائق..
.....بينما هي تقرأ خبرا مهما عن انتحار فتاة في العشرين من عمرها, إذا بصوت الرجل الأنيق يقاطعها:
- تسافرين للمرة الأولى بالقطار؟
جاء جوابا سريعا و مختصرا.سرعان ماشعرت بذلك فأردفت:..في الحقيقة سبق لي و أن ركبت فيه مرة كانت منذ زمن بعيد...
- رحلة عمل أم زيارة عائلية؟
- بل زيارة عائلية,..حصلت على عطلة من العمل فاغتنمت الفرصة..
ساد
السكون والهدوء من جديد, بعد أن اقتنع كل منهما باصطناع الحديث. شعرت بعدم
رغبتها في مواصلة القراءة فأغلقت الجريدة و وضعتها بجانبها, ثم التفتت إلى
النافذة لتتمتع بتلك المناظر الطبيعية الخلابة, كم هي جميلة بلادنا بسحرها
و جمال مناظرها, كم مضى من عمرنا في تتبع المشاغل اليومية ولم نخصص من
وقتنا الضائع شيئا لتغذية روحنا وعقولنا بهذا السحر الأخاذ...
سرحت بخيالها بعيدا في تذكر الماضي تارة..وتخيل المستقبل تارة أخرى, ..
كم
هي جميلة تلك الأيام التي نعترف فيها بماضينا ونشعر فيها بأننا نحن أنفسنا
من نقود هذه الروح التي تقطن في أجسادنا ...وكم علينا أن نتحمل من معاني
الظلم والاضطهاد حتى نصبر على ظلم وخداع أنفسنا بالأوهام التي نداعب بها
أنفسنا كل يوم وليلة دون خوف من القدر....
ومن
جهة الذين يتفننون في ظلمنا و خداعنا , هل علينا أن نحترق أمامهم ككومة قش
حتى نرضي غرورهم, أم يجب علينا مواصلة سخافتنا و تفاهتنا و خسارة كل ما
حولنا....
لقد وصل الآن صوت الضمير إلى قلوبنا التي وجدت ملاذها الأخير بعد أن تاهت عليها السبل...
إن
الرجوع إلى الأصل بعد قرابة العشر سنين والاستعداد بكل جوارحك للعودة إلى
ما ظننت يوما أنك دفنته بيديك,وتحققت من عدم عودته مجددا إلى حياتك, هو
أشبه بمستحيل تجرد من أحقيته في الاستحالة....
لم تختر الرحيل ولكن الرحيل اختارها...هي لم تشأ النسيان بل النسيان من سكن عقلها و روحها قبل قلبها...
سرعان
ما دخلت في دوامة كبيرة من الأسئلة و الإستفهامات عن حال عائلتها و حال
القرية...كيف هي أمها التي تركتها تعاني الألم,و مرارة العيش الصعب في ذلك
المنزل ,...كيف حال أختها زينب الطريحة الفراش,فقد تركتها تعاني المرض منذ
عدة شهور قبل رحيلها, كيف هو محمود...أخوها الصغير الذي مازالت براءة عينيه
لا تفارق مخيلتها,...يراءة و أمل في طفولة تكاد تنعدم تماما ...
ماهي
أحوال جدتها ... وكيف هي ابتسامتها الجميلة التي لا تفارق محياها
أبدا,...كيف هي أحوال سكان القرية ... كيف هو مصطفى ذلك الولد المشاغب
والنشيط... رفيق الطفولة ... كيف أصبح بعد عشر سنوات...
انتابتها
فجأة قشعريرة اهتز لها كل كيانها , و أحست بصداع شديد ... التفت بسرعة
البرق إلى حقيبتها مخرجة منها علبة دواء و قارورة ماء ... لابد أن يزول هذا
الألم الرهيب بعد تناول الدواء...إنها على هذه الحالة منذ شهرين تقريبا ,
أي منذ قرار رجوعها,...
نظر إليها الرجل الأنيق نظرة ارتياب و ترقب شديدين ثم قال:
رفعت رأسها بسرعة البرق و قد خطف لونها فهي مازالت لم تغادر ذكرياتها بعد , تنهدت ثم قالت :
- نعم...شكرا...أنا أشعر بالتعب هذه الأيام.
- أقصد أنك لم تزوري عائلتك منذ مدة طويلة...لاحظت هذا من خلال حالتك قبل قليل.
يبدو أن هذا الرجل عالم غيب , أو أنه طبيب نفسي, مشكل كبير .. فكل من سيراني يلاحظ حالتي,...تمتمت بهذه الكلمات في نفسها ثم أجابت:
- يا حبيبي... هذا الرجل محير فعلا فالقرية تبعد فقط بضع الكيلومترات عن بلدة الورود...أجابته بسؤال آخر:
- هل تسكن في بلدة الورود؟
- نعم...أنا من بلدة الورود,أعيش و أعمل بها,أتيت إلى هنا لزيارة صديق لي.
لاحظ
الرجل سيادة صمت رهيب فتابع : أنا اسمي أنور, أعمل طبيب نفسي و مد يده
للمصافحة ,...لقد صدقت توقعاتها فهو طبيب نفسي لهذا سهل عليه قراءة حالتها
إذا, شعرت ببعض الارتياح, وابتسمت قليلا ثم مدت يدها قائلة:
-...ليلى, من قرية التفاح, طبيبة أسنان .
-لاحظت عليك بعض القلق و الخوف فرأيت أنه يجب أن نتعرف.
- لاعجب في دقة ملاحظاتك , فأنت طبيب نفسي
- إذا أنت من قرية التفاح , إنها قريبة جدا من البلدة , أزورها باستمرار فجدتي تقطن هناك.أنا سعيد بمعرفتك آنسة ليلى
-وأنا أيضا سعيدة بمعرفتك يا دكتور أنور.
كانت الرحلة قصيرة جدا , أو هكذا قد خيل لها ... على قدر توقها في الوصول إلى القرية , كان خوفها أكبر بكثير .
لم
تعد تستطيع التفكير في الأمر خوفا من الصداع... كانت تنظر إلى ساعتها
باستمرار , كل دقيقة تقريبا, وكان أنور في نفس الوقت يلاحظ ويبتسم ابتسامة
تحمل كثيرا من التوقعات و التساؤلات .
توقف
القطار ...ونودي بصوت عال: مدينة الورود ترحب بكم...شعرت بخفقان شديد في
قلبها, ولم تعد تقوى على الحركة. وقف أنور بسرعة وربت على كتفها قائلا:
لقد وصلنا...يمكنك النهوض...
- عجيب
هو الإنسان بمنطقه امعاكس, ينتظر بشغف و لهفة أمرا ما, يعتقد في لحظة
خيالية أنه كل أمنياته , وأنه من المستحيل أن يتحقق...وما إن يصله هذا
الأمر, حتى يبدأ في التفكير اللامبرر ويذهب بعيدا في تكذيبه, وعندما يفوته
القطار, يبقى شاردا لا يدري, أيندب حظه المتعثر, أم يستمر في أكاذيبه ليعطي
تفكيره مزيدا من المبررات المخادعة.
وقفت
ليلى وهي تشعر بأن رجلاها لا تحملانها, استجمعت كل قواها وسارت بخطى
متثاقلة نحو الباب. وقفت أمام المحطة وعيناها مركزتان على اللفتة المكتوب
عليها :**مدينة الورود ترحب بزوارها**. كان أنور يقف بجانبها ثم قال:
- إذا أردت سأذهب معك؟.قاطعته:
ودعها أنور بابتسامة عريضة :
-وداعا آنسة ليلى و أتمنى أن نلتقى في المستقبل, اعتني بنفسك
لم
تنطق ليلى بحرف واحد سوى أنها حركت رأسها قليلا...وبدأت تسير في أرجاء
المدينة...كل شيء تغير...الأبنية...الشوارع...الم حلات...الناس...وحتى
رائحة المدينة تغيرت ولم تعد هي ...أو ربما...نسيت الرائحة...من يدري
...إنه الزمن الذي يتغير و يغير. هاهي الشمس تستعد لسحب آخر شعاع من أشعتها
المطلة على المدينة, وهاهو الليل بدوره يساعد لإسدال أول خيط من
خيوطه...توجهت ليلى إلى الطريق المؤدية إلى القرية, هي فقط بضع الكيلومترات
لا أكثر, بدأ جسمها يضعف والدوار لا يفارقها..تمتمت بكلمات متقطعة:..تبا
لهذا الدوار الذي يأبى مفارقتي, وكأنه يريد القضاء علي.
اختلطت
كل المشاعر الإنسانية بداخل ليلى , لقد شلت حركتها تماما....كانت قد
ابتعدت تماما عن المدينة وفارقت الضجيج والضوضاء...جلست على حافة الطريق
واضعة أمتعتها بجانبها ..وأخرجت علبة الدواء مرة أخرى لتتناول حبة منه,
لعلها تشعر ببعض التحسن وتكتسب القوة لمواصلة المشوار الذي على ما يبدو
طويل جدا ومتعب....
...لم
تمض سوى ربع ساعة حتى وقفت ليلى عند الشجرة.شجرة البلوط تلك التي يسمونها
مدخل القرية..لاتزال الشجرة على حالها,..حدقت ليلى بها
كثيرا..الجذع..الأغصان...الأورا ق...عجبا..ليس في جعبة هذه الشجرة ما
تحكيه ..لا تبدو عليها آثار العشر سنين وكأنه فقط انقضى عليها يوم واحد...
خيم
سكون الليل على القرية, انقطعت الحركة, سكت ضجيج الأطفال وصراخ
الأمهات...انعدمت الحياة في الخارج ...تماما مثل زمان. لم يبق سوى نباح
الكلاب.. **نهاية الفصل الأول** 10/08/2011