وسألت نفسي وأنا أطوف بالكعبة ..
ما بال المسلمين يطوفون الآن في خشوع وتبتُل، فإذا خرجوا تفرقوا وانقسموا وأصبح كل منهم يطوف حول نفسه أو حول اسمه أو حول شيطانه .. !!
أهي أدوار يمثلونها لبضع دقائق ثم يذهب كل منهم بعد ذلك إلى حال سبيله ؟
أيكون طوافهم طوافاً ونسُكاً دينياً حقاً أم تمثيلاً .. ؟!ً
هل أراد الله بالطواف أن يكون مجرد حركة معزولة عن السلوك والحياة .. أم أراد به أن يكون شعيرة دينية، هي تكثيف وتلخيص للحياة كلها .. ؟!
بل أراد الله أن تكون حياتنا كلها طوافاً حول مشيئته في كل صغيرة وكبيرة.
ولو أن العرب طافوا في سياستهم حول نقطة واحدة كما يطوفون الآن، ولو أنهم اجتمعوا أبيضهم وأحمرهم وأسودهم في رحاب رأي واحد كما يجتمعون في الكعبة، لما ذلوا ولما هانوا ولما أصبحوا عالماً ثالثاً أو عالماً رابعاً .. كما نراهم الآن!!
وسألت نفسي في دهشة ..
وكيف بالطوافين حول الكعبة يحارب بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم بعضاً .. وعلى أي معنى إذا كانوا يطوفون، وعلى أي شيء كانوا يجتمعون .. !!
وهل صدَقوا حينما طافوا
وهل صدقوا حينما اجتمعوا
وهل صدقوا حينما قالوا .. الله أكبر .. ؟!
بل كانت الدنيا عند كل منهم أكبر؟!!!
وكان كل منهم طوَّافاً حول نفسه، مُسبحاً برأيه، مُهللاً لأفكاره؛
صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام حينما رد على الأعرابي الذي قال له: "أصلي الفروض الخمسة ولا أزيد" .. فقال: "أفلَحَ إنْ صَدَقْ".
فالقول ما زال سارياً على العرب جميعاً إلى اليوم،
أفلحوا إن صدقوا،
ويبدو أنهم إلى الآن ما صدقوا !
مقال "الحــب في الكعبــة"
لـ د. مصطفى محمود رحمه الله ..