حرائق تندلع من تلقاء نفسها في جزيرة صقليه
تصور عزيزي القارئ أن تكون جالسا في بيتك
تشاهد فلما سينمائيا أو مباراة كرة قدم ثم فجأة و بدون مقدمات يتحول جهاز
التلفاز أمامك إلى شعلة متقدة بالنيران , ستفزع و ستظن حتما أن هناك خللا
في التيار الكهربائي فتسرع لفصله عن المنزل و لسان حالك يلعن وزير
الكهرباء و جميع أركان وزارته .
لكن كيف ستكون مشاعرك و ردة فعلك يا ترى
و أنت تقف وسط إحدى الغرف بعد أن تأكدت تماما من قطع التيار الكهربائي عن
المنزل ثم فجأة تشاهد احد المصابيح الكهربائية يتوهج من تلقاء نفسه و
يتحول إلى كرة نارية ، طبعا ستقول بأن هذا مستحيل الحدوث لكن دعني أخيب
ظنك و اروي لك قصة بلدة ايطالية حيرت أحداثها حتى المؤمنين بالخرافات .
كنيتو دي كارونيا هي بلدة صغيرة هادئة قلما سمع
بها احد أو انتبه إلى اسمها و مكانها على خارطة جزيرة صقلية و قلما أثارت
بيوتها القديمة و سكانها المزارعون البسطاء انتباه السائحين و الغرباء , مر
بها الإغريق و الرومان و العرب و الفرنسيين و الأسبان وغيرهم دون أن تثير
انتباههم و فضولهم و ضلت قابعة بهدوء في مكانها لقرون , لكن كل ذلك تغيير
في احد الأيام الباردة من شهر كانون الأول عام 2004 حين تحولت البلدة
الوديعة المنسية فجأة إلى مكان مزدحم بعمال الكهرباء و رجال الإطفاء و
مراسلو الصحف و الفضائيات و العديد من العلماء و كذلك بعض رجال الدين
الباحثين عن المعجزات , أما السكان الذين لا يتجاوز عددهم الـ 39 شخصا فقد
غادروا جميعا ليسكنوا مؤقتا في احد الفنادق خارج البلدة .
بدئت الأحداث الغريبة في البلدة عندما كان احد
السكان و يدعى السيد فزانيو يجلس بهدوء داخل منزله و هو يشاهد احد البرامج
التلفزيونية ثم فجأة و بدون مقدمات شبت النار في جهازه التلفزيوني و تحول
خلال لحظات إلى كرة محترقة من اللهب , و لم يمض وقت طويل حتى بدئت حرائق
غامضة مشابهة تندلع في منازل أخرى , و بدا كأن هناك قوة مغناطيسية مجهولة
تجذب النار إلى الأجهزة الكهربائية كالبرادات و أجهزة التلفاز و أدوات
المطبخ و العجيب أنها كانت تحترق حتى عندما تكون لا تعمل أو غير موصولة إلى
التيار الكهرباء , بل إن الأعجب و الأغرب هو أن هذه الحوادث استمرت حتى
بعد أن قامت شركة الكهرباء المحلية بقطع التيار الكهربائي نهائيا عن البلدة
, و خلال الأيام التالية اخذ السكان يتحدثون عن أمور عجيبة أخرى بدئت تحدث
في منازلهم مثل انفجار أجهزة الهاتف المحمول و احتراقها من تلقاء نفسها و
كذلك تدفق النار من حنفيات المياه! و عن قطع الأثاث المنزلية التي صارت
تزحف بعيدا عن مصادر التيار الكهربائي كأنما هناك قوة خفية ما تدفعها و
تحركها باتجاه معاكس لكل ما يمت للكهرباء بصلة .
بالتدريج تحولت
الحياة في بلدة دي كارونيا إلى كابوس مرعب و بدء بعض السكان يتهامسون فيما
بينهم معتقدين ان منازلهم مسكونة بالجن و الشياطين ، أخذت الهواتف الأرضية
ترن ليلا و لكن أحدا لم يكن يتكلم عندما يتم رفع السماعة و صارت الأقفال
الأوتوماتيكية لأبواب السيارات تقفل و تفتح من تلقاء نفسها , حتى رجال
الإطفاء الذين هرعوا إلى البلدة لم يجدوا أي تفسير منطقي لما يحدث بل إن
احدهم أصابه الذهول و هو يرى النار تنشب من تلقاء نفسها في احد الأسلاك
الكهربائية بينما كان يحدق إليه .
أما عمال الكهرباء فقد تأكدوا من
أن الأسلاك و التوصيلات الكهربائية جميعها في حالة جيدة و لم يستطيعوا
العثور على أي خلل أو أمر غير طبيعي في شبكة الأسلاك الصغيرة التي تغذي
البلدة بالتيار الكهربائي , حتى العلماء و الباحثين الذين أتوا إلى البلدة
بعد أن سمعوا بإحداثها الغامضة في وسائل الإعلام لم يعطوا أي تفسير علمي
واضح يفسر ما يحدث في البلدة و لكنهم اكتفوا بوضع عدد من الفرضيات و
التخمينات , إحدى تلك الفرضيات ذهبت إلى الاعتقاد بأن سبب الحرائق هو
النشاط البركاني في شمال جزيرة صقلية و أن هذا النشاط أدى إلى انبعاث شحنات
كهرومغناطيسية تفاعلت مع التيار الكهربائي العادي و تسببت في نشوب النار
في الأجهزة الكهربائية , لكن هذه الفرضية لم توضح لماذا تركزت هذه
الانبعاثات البركانية المزعومة في بلدة دي كيرونيا فقط و لم تمتد إلى
البلدات و المدن القريبة منها كما إن مراصد الزلازل و الأنشطة البركانية لم
تسجل أي نشاط بركاني غير طبيعي خلال فترة حدوث الحرائق الغامضة .
هناك
فرضية ثانية زعمت أن سبب الحرائق هو قيام شخص ما بصنع جهاز يولد عند
تشغيله مجال كهرومغناطيسي يطلق شحنات من الطاقة على شكل صواعق كهربائية أدت
حسب الفرضية إلى نشوب النيران في أجزاء مختلفة من البلدة , لكن هذه
الفرضية لم توضح كيف أن السكان لم يسمعوا الأصوات المدوية الشبيهة بصوت
الرعد و التي يجب أن تترافق مع عمل هكذا جهاز و لا السبب الذي يدعو شخصا ما
إلى صنع هكذا جهاز , فيما ذهب البعض من أنصار نظرية الصحون الطائرة و
المخلوقات الفضائية الخارقة إلى ابعد من هذه الفرضية فزعموا أن الشحنات
الكهرومغناطيسية التي قدر العلماء قوتها بين 12 – 15 كيكاوات لا يمكن أن
تكون من صنع البشر و لكنها ناتجة حتما عن هبوط صحن طائر بالقرب من البلدة
مما أدى إلى خلق مجال مغناطيسي هائل تسبب في نشوب الحرائق , لكن بالطبع لا
يوجد أي دليل مادي يثبت صحة هذه الفرضية .
النظرية او الفرضية
الأكثر قبولا من قبل الباحثين هي أن النيران اندلعت في البلدة بسبب تجمع
كميات كبيرة من الشحنات الكهربائية الساكنة , أي مثل ذلك النوع من الشحنات
الناتج عن احتكاك المشط البلاستيكي مع شعر الإنسان أو التي نلاحظها عند خلع
و ارتداء الملابس المصنوعة من النايلون أو البولستر و التي يتولد عنها
شرارات كهربائية صغيرة يمكن مشاهدتها بسهولة في الأماكن المظلمة , و رغم أن
هذه النظرية تبدو مقبولة و أكثر إقناعا من سواها و لكن السؤال الذي يبقى
مبهما و بدون جواب هو لماذا تجمعت هكذا شحنات كهربائية داخل شوارع و منازل
بلدة كنيتو دي كارونيا الصقلية .
خلال الشهور التالية قام مهندسو و
عمال الكهرباء بتغليف جميع الأسلاك و التوصيلات الكهربائية في البلدة بنوع
خاص من الأغلفة البلاستيكية التي تمنع التماس مع الشحنات الكهرومغناطيسية و
في نيسان عام 2005 توقفت الحرائق الغامضة و عاد السكان إلى منازلهم , لكن
رغم توقف الظاهرة فأن العلماء لم يستطيعوا حتى هذه اللحظة معرفة السبب
الحقيقي لاندلاع النيران في البلدة و ما هو السبب في تواجد كميات كبيرة من
الشحنات الكهربائية الساكنة في أرجائها , البعض ألقى باللوم على شركة
القطارات التي كانت تقوم بمد خط للسكة الحديدية بالقرب من البلدة و لكن لا
يوجد أي دليل أو إثبات علمي يدعم هذا الرأي .
و لأن العلم و
التقنية الحديثة فشلتا في تحديد سبب واضح لاندلاع حرائق البلدة لذلك بدء
بعض السكان يميلون إلى تصديق فرضية أخرى طالما استعملها البشر منذ بدء
الخليقة و حتى يومنا هذا لتعليل الأمور التي يعجزون عن فهمها و إيجاد تفسير
لها , إنها فرضية مخلوقات ما وراء الطبيعة من الجن و الشياطين التي يتداخل
عالمها الأثيري أحيانا مع عالم الإنسان المادي فيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه
, و رغم أن العلم يرفض هذه الفرضية بشكل قاطع إلا إن اغلب سكان البلدة
وجدوا فيها التفسير المنطقي الوحيد لما حدث خاصة و أن العلماء أيضا اعترفوا
بأن الحرائق الغامضة لم تكن تحدث إلا عند وجود إنسان في المنزل أو المكان
الذي تشب فيه النار .